مسرحية
إبنُ الخايبه !
( لا تستغربوا.. فالواقع الذي
أعيش فيه ، أكثر بذاءة من لغتي ... )
المؤلف
تأليف : علي عبد النبي الزيدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المكان : غرفة بُنيت من القصب والطين ، تتوزع في تفاصيلها بعض الادوات العتيقة : فانوس ، أواني طهي ، أفرشة قديمة متهرئة ، ملابس معلقة على مسامير ، طباخ نفطي صغير ، صورة كبيرة لرجل ميت معلقة في منتصف الحائط .
- نرى حبلا طويلا قد تدلّى من سقف الغرفة على شكل ( مشنقة ) وتحتها وضع كرسي صغير !
- ( الأم ) نائمة ، تضع عباءتها كغطاء فوقها .
- ( زوج الأم ) نائم وهو يشخر بصوت عال ! سمين جدا ، له كرش كبير ، يأخذ مساحة واسعة في الغرفة ، اي ان جسده مبالغ في حجمه !
- ( صبر ) في الثلاثينيات من عمره .. يقف امام صورة الرجل المعلقة ، ينظر اليها وكأنه يراها لأول مرة .
زوج الأم: ( يشخر ) اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخو ...
صبر : ( يبصق على الصورة ) تفو عليك ، تفو تفو تفو ... ايها القواد تفو
عليك ، تفو عليك يا أبي ، يا أيها الغالي على القلب ! ( يصيح ) تفو عليك بويه ( يضحك ) ايها الشهيد ، ايها البطل .. انت تعلم جيدا بأنني احبك يا أبي ، احبك بكامل روحي ، ولكن تفو عليك يا قواد ، حبي لك ليس لانني ابنك فقط ، بل لانك تستحق هذا الحب بجدارة ! ما أروعك وما أجملك ايها الاب ، ولكن مقابل حبك لي ولأمي لا أملك سوى البصاق على صورتك ايها الاب الشهيد والسعيد ، فتفو عليك مليون مرة ، تفو عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا ، تفو عليك لانك جعلت حياتنا جحيما ببطولاتك العظيمة والتي لا معنى لها ! تفو عليك لاننا سنطرد كالكلاب من هذه الغرفة بسببك... ( يترك الصورة، يصعد فوق الكرسي ويضع الحبل حول رقبته ، يحاول اكثر من مرة دفع الكرسي وشنق نفسه لكنه لا يستطيع ، ينزل من الكرسي ، يقف عند رأس أمه ، يحاول ايقاضها بهدوء ) أمي ، أمي ، أمي ...
زوج الأم : ( مستمرا بشخيره ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخو...
الأم : ( تنهض فزعة ) بسم الله الرحمن الرحيم ، صبحنا وصبح الملك لله ، يا الله يا الله يا الله ، استغفرك يا الله ... صباح العافية يمّه صبر . أخذني النوم ( تنظر من نافذة الغرفة الصغيرة ) هل تأخرتُ عن صلاة الصبح ؟
صبر : مازلنا في منتصف الليل أمي !
الأم : حسبت انك أيقضتني لصلاة الصبح كعادتك .
صبر : لا فرق بين ليلنا وصبحنا .
الأم : انت جائع اذن يا روح أمك .. بقي من خبز العشاء الذي تحب دائما ان
تغمّسه مع الشاي .
صبر : ( يخاطب الصورة ) خبز مغمس بالشاي لثلاثين سنة ، كم كنت اتمنى
ان أغمّس الشاي بالخبز وليس العكس ، لكنني لم استطع ان احقق هذه
الامنية...
الأم : سأضع لك الشاي على النار .
صبر : لست بجائع ، فالخبز والشاي أتخماني ليلة البارحة والليلة قبل البارحة
والليلة التي سبقت ليلة ليلة البارحة ، والليلة التي ...
الأم : نعمة الله يمّه .
صبر : لكن الكريم لا يُكرم بخبز وشاي !
الأم : نحن افضل من غيرنا !
صبر : ( يضحك ) هذا يعني ان غيرَنا يُغمّس الطين بالشاي مثلا ؟
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : نعمة تستحق الشكر ، ألف ألف ألف شكر لك ياربي ( تنظر الى الحبل
المتدلي ) ما هذا الحبل ؟
صبر : حبل ، ليس بأفعى ... ! ألم تشاهدي حبلاً في حياتك ؟
الأم : اعرف انه حبل . لكنه لا يبدو لي كذلك .
صبر : ربما يبدو لك مشنقة !
الأم : ( تغيّر الموضوع أو تتظاهر بأنها لم تسمع ) دعني اضع الشاي على
النار .
صبر : قد تكون مشنقة فعلا .
الأم : ( تتهرب ) لدينا بقايا خبز .
صبر : انظري اليها ، ما أجملها من مشنقة .
الأم : يمّه صبر .. انت تشكو من البرد ؟ دعني اعطيك عباءتي تتدفأ بها ، لا
لا.. سأعطيك روحي فهي اكثر دفئا !
صبر : سأشتاق لوجهك دائما .
الأم : أنا باقية في الحياة من اجل وجهك ( تصيح به ) قل ماهذا الحبل ؟
صبر : قد يبدو ................... انظري الى صورة أبي ، ما أروعها الليلة ،
وجه نوراني ...
زوج الأم: ( يشخر ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ ...
الأم : أ تدري بأنني أغار من حبك لأبيك ؟
صبر : القواد ... ؟
الأم : ( تضرب صدرها بكفها ) يمّه صبر ... هذه الكلمة لا تليق بلسانك ،
فكيف تليق بمن تحب ؟
صبر : ماذا افعل ؟ هذا من فرط حبي لأبي ! أحبه واحبه واحبه كثيرا ، ولا
اجد كلمة يمكن ان تعبر عن هذا الحب .. سوى قواد !
الأم : مابك ؟ دعني اصلي لروحك ركعتين .
صبر : لا ينفع .
الأم : صلاة الليل ليس كمثلها صلاة .
صبر : لا ينفع .
الأم : صلاةُ أمٍٍٍ ليست كأي أم .
صبر : لا ينفع .
الأم : دعاء الام لابنها مستجاب .
صبر : لا تضحكي عليّ .. ما عادت هذي الكلمات تنفع معي .
الأم : رأسك يحتاج الى شاي وخبز تنور حطب ( تصيح به ) يمّه صبر ..
قل ما هذا الحبل ؟
صبر : مشنقة ! صدقيني انها مشنقة .
الأم : تلعب بمشنقة ؟
زوج الأم: ( يشخر بصوت عال ) اخ اخ اخ ، اخ اخ خو خو خو خو ...
صبر : إنها لعبتي المفضلة في هذه الليلة الجميلة .
الأم : لا أحبّها يمّه .
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ ...
صبر : اعرف .. أعدك بأنني سأنتحر بها الان .. واتركها بعد ذلك الى الابد .
الأم : ( تشهق ) تنتحر ؟! صبر .. ماذا يعني انك تنتحر ؟
صبر : يعني انني اريد ان انتحر .
الأم : وبكل بساطة ؟ بهذه المشنقة ؟
صبر : واريدك ان تساعدينني ايضا !
الأم : أساعدك ؟! كيف ؟
صبر : بدفع الكرسي ( يدفع الكرسي بيديه ) هكذا .. عندما اصعد عليه !
الأم : ( تضرب صدرها بكفها ) قل اعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس
من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة
والناس . قل اعوذ ...
صبر : ( يقاطعها ) لو قرأت القرآن كله ما نفع ذلك معي .. الليلة اخر ليلة
معك يا أمي .
الأم : قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ...
صبر : ومن شر هذه الحياة .. الحياة التي تتحكم فيها الاحذية الكبيرة بمصائر
( يشير الى نفسه ) الاحذية الصغيرة .
زوج الأم: ( يشخر بقوة اكثر ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ ...
الأم : يمّه صبر .. لم اعهدك تتحدث بهذه الكلمات .
صبر : أ نسيتي ؟ انا ابن القعر وما زلت ، وهذه لغة اهل القعر ! ماذا
افعل ؟ هكذا تعلمت !
الأم : اطرد هذه الوساوس من رأسك يمّه .
صبر : جاءوا صباح اليوم واعطوني ورقة .
الأم : ورقة ؟
صبر : ( يخرجها من جيبه ، يقرأ ) نبلغكم بإخلاء هذا البيت فانتم من
المتجاوزين على الحق العام ...
الأم : ( منهارة ) أبوك اعطى عمره وعمرنا وحياته وحياتنا من اجل الحق
العام .
صبر : ألم يكن عظيما كما تقولين ؟
الأم : هناك خطأ ما .
صبر : هناك جريمة ما .
الأم : أو قد يكون .. ربما من اجل ان يعطوننا بيتا ، لالالالا قصرا ، لالالالا
جنة لالالالالالالا...
صبر : ( يغني بسخرية ) يمه العمر وياج بيت وشناشيل يابويه بيت وشناشيل
وين ارحل ليا دار لو جلجل الليل يا بوية لو جلجل الليل ...
الأم : لو جلجل الليل .. تنام في وسط عينيّ .. عد الى نومك يا بني ، اتوسل
اليك ، هناك خطأ .
صبر : فقط .. ادفعي الكرسي من اجل ابنك الحبيب .
الأم : قل انك تمزح مع أمك ، قل .
صبر : ان ابقى هو المزاح .
الأم : وقلب أمك ؟
صبر : أروع ما يكون .
الأم : سأموت حرقة عليك .
صبر : احرقنا أبي القواد ببطولاته ! أعني الشهيد أبي الذي سخم حياتنا
ورحل. أخ القحبة .
الأم : ماذا اسمع ؟ سِخام يُسخمني ( تزجره ) لا تقل قوادا على أبيك ، لقد كان بطلا .
صبر : نعال !
الأم : شجاعا لايهاب الموت .
صبر : نعال .
الأم : كان طيبا .
صبر : نعال .
الأم : أبا حقيقيا .
صبر : نعال .
الأم : يمّه صبر .. امسح هذي الكلمات من رأسك ، فهي لا تليق بطهارة بيتنا
صبر : أمسحها ؟ كيف ؟ انا لا املك سواها ! تعلمتها مذ كنت صغيرا في تلك الزنزانة ، لا اسمع من رجال الامن سوى تلك الكلمات ، علموني اياها ، كنت اعتقد ان العالم كله يتحدث بهذه الطريقة .
الأم : انها كلماتهم وليست بكلماتنا .
صبر : ( يصيح بإمه ) أبي كان نعالا يمّه .. وانا خلقت كحذاء صغير ؟ لــم لا تفهمي ؟
الأم : بل خلقت في احسن تقويم ...
صبر : ( بهستيريا ) أنا حذاء صغير وابن حذاء صغير وابن ابن حذاء صغير وابن ابن ابن حذاء صغير وابن ابن ابن حذاء صغير وصغير وصغير وصغير ...
الأم : دعهم ينامون في قبورهم بسلام .
صبر : هذه اول مرة أعلم بها ان الاحذية يمكن ان تنام .. ممكن ممكن لم لا .
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ ...
صبر : ( يصيح بزوج أمه ) اوقفيه عن الشخير يا أمي .
الأم : ( تصغي ) لا اسمع شخيرا !
صبر : وهذا الشخير المدوي الذي يطلقه زوجك ؟
الأم : انه عمك !! أنا لا اسمع شيئا ، تتوهم بأشياء كثيرة يا بني ، انظر اليه .. انه ينام بهدوء ...
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ ...
صبر : قواد جديد !!
الأم : عمك ، زوجي ...
صبر : يأكل خراء . ادفعي الكرسي .. ارجوك ، لا املك القدرة على دفع كرسي مشنقتي ، لا احد يساعدني سواك ، ساعديني ولك مليون حسنة وحسنة في ليلة هي خير من مليار ليلة وليلة .
الأم : ثلاثون عاما وانا ابكي عليك ، ولا ادري لماذا ابكي ، لا ادري . عندما تنام او تصحو ، ابكي عليك ، عندما تخرج او تدخل الى هذه الغرفة الطينية ابكي عليك ، عندما تجوع او تشبع ابكي عليك ، عندما تجلس او تقف او تنام ابكي عليك ، عندما تصمت او تتكلم ابكي عليك ، عندما تبكي اموت من البكاء عليك . ماذا لو رحلت عن روح أمك ؟ ماذا يمكن ان يحدث ؟!
صبر : قلبي توقف الان عن سماع كلماتك يا أمي ، ما عليك سوى ان تدفعي
الكرسي ، ارجوك ...
الأم : لا يمكن ...
صبر : تخيلي ذلك .
الأم : لا يمكن ...
صبر : حاولي ان تتخيّلي مشهد انتحاري .. ماذا سيحدث ؟ وماذا ستفعلين ؟
الأم : لا يمكن ...
صبر : تخيّلي ارجوك .. من اجل ابنك الحبيب
( انتقالة ... )
- ( مشهد تخيلي )
- ( يتدلى جسد صبر بعد ان قام بشنق نفسه )
الأم : يمّه يمّه يمّه يمّه يمّه صبر ( صارخه ) يمّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه . شلون بيّه .. الان فقط هُدمَ حيلي ، الآن فقط يحق لي ان ألطمَ على وجهي وصدري ، ( تلطم بوجع ) حيل يمّه .. الان فقط يحق لي ان أصيح بصوت تسمعه الأمهات كلهن فيخرجن من البيوت ، شاركنني اللطم والصراخ .. راح الوالي راح وليدي ، الان فقط يا بعد عمري اغلق باب الله بوجه أمك ، يمّه .. هذي قيامتي يا صبر قد بدأت ، يا الوالي يا شمعة الدار وحلاوة روحي ، يا الغالي ... ( تضرب وجهها ) انطفأ يا وجه ، توقفي يا عيون عن رؤية الاشياء ، فبعدك يا صبر لا شيء يستحق ان أراه ، كنت باقية من اجلك هنا ، فما معنى ان ابقى الان ؟ يمّه يمّه اموت معك ، يمه لا تتركني ، يمّه يمّه يمّه صبر ( صارخه ) يمّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ...
( عودة الى ...)
صبر : ها يمّه ...
الأم : سأشعل الأبخرة والحرمل .. علّ الشياطين تخرج من غرفتنا ( تبحث
عن الابخرة )
صبر : لا احد في غرفتنا سوى الملائكة .
الأم : ( تتوقف ) ربي رحمتك وعطفك ...
صبر : سيرحمني بهذه المشنقة كما رحم الذين من قبلنا ...
الأم : ستموت كافرا .
صبر : بل أموت في قمة إيماني الخاص .
الأم : لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها .
صبر : لن يقتلني أي احد .. انا من سيفعل ذلك بنفسه !
الأم : يمّه صبر . ماذا افعل لرأسك ؟
زوج الأم: ( يجلس ، الا انه مازال نائما ويشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : زوجك القواد الجديد لا يكف عن النوم والشخير .
الأم : لا يصح ان تتحدث عن زوج أمك هكذا .
صبر : سينفجر ويملأ الغرفة بالقوادة ...
الأم : ماذا اسمع يا ربي ... ؟ عمك متعب جدا .
صبر : منذ سنوات وهو نائم ويشخر ! حاولت ان احبه ، لكنني لم استطع !
الأم : حاول مرة اخرى ( تشير الى المشنقة ) انزل هذا الحبل من أجل أمك .
صبر : أتمنى ان تتوقفي عن أمومتك قليلا !
الأم : عن الحياة تعني ... ؟
صبر : أريدك ان ترتدي ثوبا ابيض بعد ان تدفعي كرسي المشنقة .
الأم : أنا أمٌ خلقت لثياب الوجع !
صبر : والفرح ؟
الأم : لا أتخيل شكلي بثياب الفرح ، لا اتخيل رأسي دون هذي الشيلة
والعصّابة ، لا اتخيل ان تخرج من فمي الهلاهل يمّه ، لا اتخيل ان
اضحك ...
صبر : من أجلي ، من اجل ابنك ، حبيبك ، روحك .. توقفي للحظة واحدة عن
أمومتك وادفعي الكرسي ، لا اطلب المستحيل منك !
زوج الأم: ( يشخر ماشيا ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : اوقفيه عن الشخير يا أمي .
الأم : لا اسمع شخيرا !
صبر : رأسي يضج بأصواتهم .
الأم : يمّه صبر .. صلِ ركعتين واستغفر الله .
صبر : المشنقة .. هي الصلاة .
الأم : دعني اتوضأ من اجلك ؟
صبر : احتاج الى راحة روحي .
الأم : بشنق إبني ؟
صبر : ستجعلينني سعيدا هناك .. بعيدا عن حياة لا ارغب الاستمرار فيها ...
الأم : لن يحبك الله .
صبر : لا احتاج ان يحبني احدا !
الأم : ( تشهق ) صبر يمّه .. ما الذي يجري في روحك ؟ هذا من فعل
الوسواس الخناس بك .. انتظر ، سيطرده الحرمل ( تبحث عن
الحرمل )
صبر : اريد ان انتحر فقط !
الأم : ( تجد الحرمل ، تشعله ) كيف لي ان امسح قلب الام الذي ينبض من
اجلك واقتلك ؟
صبر : انك لا تحبينني .
الأم : ( تصيح ) يبوووووي .. سأشق هذا الثوب الى نصفين .
( يتصاعد دخان الحرمل )
صبر : الحب .. ان تدفعي كرسي انتحاري يا أجمل أم .
الأم : الشيطان قد ركب رأسك .
صبر : ارحميه .. فالشيطان لم يكن سوى شماعة ذنوب لنا .
الأم : قد ركبك الشيطان الرجيم ؟ ( تصيح ) اخرج من هنا ايها الشيطان ،
اخرج ...
صبر : ما عهدتك تطردين ضيفا .
الأم : سأجن هذه الليلة .
صبر : هو جنون يا أمي .. رأسي لا يستوعب هذي الاكاذيب ، أبي عاش
حياته كلها يضحك على نفسه ، صدقيني ، ساخرا من احلامنا .. كان
يكذب !
الأم : أبوك رفعة الرأس وحزام الظهر وأخ لاخته ...
صبر : كان يكذب ...
الأم : أعدم من اجلنا ، شنق من اجلكم ، من من من من من من من من ...
زوج الأم: ( يشخر بصوت عال جالسا ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخو...
صبر : اشعر ان كل كلمات العالم ليست سوى اكاذيب ...
الأم : أبوك قاتل كالابطال ، لكنهم استطاعوا القبض عليه وأعدم بعدها ...
صبر : كان عليه ان يعيش من اجل بيته بدلا من هذه التفاهات التي قتلته !
الأم : كان مجاهدا ضد الظلم كما كان يقول لي ذلك ...
صبر : يكذب عليك ...
الأم : ( تصفعه ) ابن عاق .
صبر : لايهم .. فقط ادفعي الكرسي ، وإلا سأشنق نفسي بنفسي .
الأم : ابوك ...
صبر : اوووووووه ، ابي ابي ابي .. ابي كان هو العاق لطفولتي .. قضى
عمره يحتضن بندقيته ومات مشنوقا ، ما علاقتي بكل هذه السخافات ؟
الأم : ( تصحح له ) استشهد ...
صبر : ومن قال له ان يستشهد او يموت او يحترق ؟
الأم : سُنةُ الرجال .
صبر : سُنةُ تجعلني واياك نعيش بين زنزانة وزنزانة ، بين شتيمة وشتيمة ،
بين اغتصاب واغتصاب ، بين جوع وجوع ، وبين حق عام وحق
عام اخر ...
الأم : حرام عليك .. سيعذبك الله ويرميك في النار .
صبر : نار اخرى ؟
الأم : جهنم !
صبر : أخرى ؟
الأم : يوم القيامة .
صبر : أخرى ؟
الأم : يمّه .. صلِ ركعتين واستغفر الله ، فروحك متعبة .
صبر : مللتُ من الصلاة ، مللت من الدعاء ، مللت من الركوع والسجود ،
مللت من الاستغفار والحمد لله والشكر لله ، مللت ...
الأم : استغفرك ربي .. يمّه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ...
صبر : الحياة هي الفحشاء والمنكر !
الأم : ( تضرب صدرها ) من يعيد لي ابني الذي اعرفه ؟ ( تهدأ ) أتعلم ان
أباك الان في الجنة .
صبر : مع الحور العين ؟ اليس كذلك ؟ ونحن نعيش في القعر ، في هذه
الحفرة ، فتحت عيني على زنزانة منذ ثلاثين عاما ومازلت فيها
( يضحك ) ولكنني سأذهب الى جنتي الخاصة !
الأم : تنتحر ، تشنق نفسك وتريد الذهاب الى الجنة ؟
صبر : جنتي تختلف عن جنانكم .. انها هنا ( يشير الى رأسه )
الأم : ( تصيح ) من الذي ادخل الشيطان الى بيتنا ؟
صبر : يبحث عن عمل .
الأم : انك لا تنظر بقلبك .. الوطن قد تغير ، ألا ترى ؟ أبوك اعطى حياته
من اجل هذا التغيير الذي نحن فيه الان ، رحل الظلم يمّه .
صبر : والحق العام والجوع والموت الذي يلاحقنا كظلنا ؟ واصدقائي الذين لم
نجد منهم سوى رؤوسهم في براميل القمامة ؟ وشبابي وهذه الغرفة ؟
الأم : سأزوجك اجمل فتاة في مدينتنا وستتحول هذه الغرفة الطينية الى
غرفة من ذهب .
صبر : ( يضحك بقوة ) زوجة وذهب ...
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : ( يضحك بقوة ) لم تتغير سوى الثياب والوجوه ... ؟
الأم : اصمت .. الحيطان لها آذان !!
صبر : ( مستمرا بضحكه ) الوطن تغيّر ... ( يتوقف ) مازالت هذه الغرفة
الطينية تنام فوق اعمارنا ، فالوطن تغيّر . ومازال هذا الفانوس يُظلم
ليالينا ، فالوطن تغيّر ، وما زال الخوف يفرش جسده هنا فالوطن
تغيّر ، وما زال الجوع يصرخ في احشائنا ، ومازال الباب بلا
طرقات تنتشلنا أو تقول لنا ان اباكم اعطى روحه من اجل الوطن
ونحن بالمقابل سنعطيكم بقدر عطائه .. فالوطن قد تغيّر !
الأم : كل هذا لا يدعوك للرحيل بعيدا عن أمك .
صبر : لــم قبلتي ان يرحل أبي اذن ؟
الأم : لم أقبل .. كان يحدثني بكلمات كبيرة لا افهمها ولا استطيع الرد عليها!
صبر : شعاراتهم ...
الأم : بين كلمة وطن واخرى كان يقول : ان الوطن ...
صبر : وبين وطن ووطن كان رجال الامن يداهمون هذه الغرفة الطينية ،
يضربونك ويجرونك من ثيابك من اجله ...
الأم : من اجل الوطن ...
صبر : ما ذنبي أعيش طفولتي وسنوات عمري في زنزانة ؟
الأم : من أجل الوطن .
صبر : ليحترق ...
الأم : لقد احببت الوطن على حب أبيك !
صبر : من يستحق لحظة خوف واحدة عشناها ؟ من يستحق ان نُصفع من
اجله ؟ من يستحق ان ننام بلا عشاءات من اجله ؟ من يستحق ان
يشنق أبي من أجله ؟ من نحن حتى نكون هكذا خراف فداء ؟ ولمن ؟
من اجل الله ؟ الوطن ؟ الناس ؟
الأم : لا اعرف لا اعرف لا اعرف .. ابوك اراد لحياتنا ان تكون هكذا !
صبر : ومن اعطاه الحق ليلعب بحياتنا هكذا ؟
الأم : كان بطلا من نوع خاص .
صبر : لا اريده بطلا ، ولا خاصا ولا حارقا ولا خارقا ولا سخاما ، اريده أباً
فقط .. اي بطولة هذه التي تدعو الاباء ان يتركوا ابواب بيوتهم
مشرعة ؟
( انتقالة الى )
( الام في وسط مجموعة من رجال الامن السكارى )
رجل الامن2 : ارقصي ، ارقصي يا قحبه يا ساقطه يا زوجة القواد ...
رجل الامن 2: ( يخرج مسدسه ) ارقصي وإلا افرغت هذا المسدس برأس ابنك ،
ارقصي ...
الام : ( تضرب صدرها بكفها ) يمّه ابني صبر ، ارقص ؟
رجل الامن3: ترقصين رغما عنك يا قحبه .
الأم : كيف ؟ لا يمكن .. انا امرأة شريفة .
رجل الامن2 : شريفة ؟ صح ، تمتنعين يا قحبة ؟ اذن سأضع رصاصة في رأسه
الصغير ...
الام : توقف ، سأرقص ، سأرقص ... يمّه صبر ، لخاطر الله اتركوه ،
سأرقص ...
( ترقص ويرقصون معها ، احدهم يلتقط صورا للام )
( انتقالة الى ... )
صبر : ( ينظر الى مجموعة من الصور الواحدة بعد الاخرى ) مصور بارع!
الأم : ( تأخذ منه الصور عنوة ) هاتها ولك ...
صبر : ( بطريقة رومانسية ) الوطن مصيره الذبول والصور باقية لا تزول !
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : لا شيء سوى شخيره ...
الأم : ( تبكي ) أمك كانت اشرف ما يكون ، اشرف من الشرف نفسه ...
صبر : لكنني عندما كنت صغيرا اسمعهم في الزنزانة يقولون لك : ايتها
القحبة ، يا عاهرة ، ايتها الزانية ، يا ساقطة يازوجة القواد ابن القواد ،
ايتها ...
الأم : ( تصرخ به ) اسكت اسكت سيسمعك زوجي ، عمك ، يكفي .. يكفي،
انا لم اكن ايتها ...
صبر : وكانوا ينادونني : بابن القحبة ! وابن القواد ( يضحك ) أمي قحبة
وابي قواد .
الأم : يمّه صبر .. يكفي ، يكفي .. ألا تستحي ؟
صبر : اغتصبوك ، ولم يستحوا من عينيّ التي شاهدت اغتصابك لمائة مرة !
الأم : لكنني لم اكن قحبة وحق هذه الشيبات التي تغطيها شيلتي ، انا اشرف
ما يكون الشرف يمّه صبر ...
صبر : اطمئني ( يضحك ) انه اغتصاب من اجل الوطن ليس الا .. فالوطن
يستحق ان تغتصب كل أمهاتنا من اجله !!
الأم : ما اقساك ...
صبر : الآباء .. كانوا يفكرون بأنفسهم فقط .
الأم : الآباء .. كانوا ابطالا يقاتلون الظلم الذي دمر حياتنا ...
صبر : قوادون ، صدقيني ! ما نفع البطولة والشجاعة والتضحية والبسالة
مقابل ان يقول احدهم لك : ايتها القحبة ؟ حتى انني نسيت اسمك يا
أمي ، فكلما يسألني احدهم عن اسمك ، اقول له ان اسمها قحبة .
( انتقالة الى ... )
مدير المدرسة : ( قطعة صغيرة كتب عليها / مدير المدرسة / يكتب في
استمارة ) ما اسمك يا بني ؟
صبر : استاذ انا اسمي صبر ...
مدير المدرسة : وابوك ؟
صبر : اسمه قواد !
مدير المدرسة : ( يزجره ) اسكت ، ما هذا ؟.. ما شاء الله ! وما اسم امك ؟
صبر : اسمها قحبة !
مدير المدرسة : قحبة ؟! ( يصرخ به ) أسكت يا ولد ...
صبر : ( يصحح له ) لا لا اسمها عاهرة ، عاهرة .. اعتقد عاهرة ...
مدير المدرسة : ( يُخرجُ عصا ) سأضربك بالعصا .
صبر : ( يصحح له ) ساقطة ، ساقطة ، لا لالا ناقصة ناقصة ، لا لا
لا سافلة سافلة ، قندره قندره ...
مدير المدرسة : ( يزجره ، يضربه بالعصا ) قلت لك اسكت ، اسكت . أبوك
ماذا يعمل ؟
صبر : قوادا ، أمي اسمها قحبة وابي اسمه قواد ويعمل قوادا، أمي
قحبة وابي قواد قواد وقحبة ... ( يظل يردد قحبة وقواد الى ان
يصبح كلامه صراخا هستيريا ... )
( انتقالة الى ... )
صبر : ( يردد ... ) قواد وقحبة ، قواد وقحبة ، يعمل قوادا ...
الأم : ( تصرخ به ) اسكت ، ولا تحسبن الذين قتلوا ...
صبر : ( يقاطعها ) القوادون في جهنم ، سأحاكمهم كلهم وارميهم في جهنمي !
الأم : للميت حرمة يمّه صبر .
صبر : هذا عندما يكون للحي حرمة !
الأم : ( تنظر الى الصورة المعلقة ) انك تعذبه الان وهو في قبره يا بني .
صبر : الوطن ؟
الأم : أبوك الذي قتل في سبيل الوطن .
صبر : منذ زمن كنت اريد ان أسألك يا أمي : كم رجلا اغتصبك في تلك الليلة
من اجل الوطن والليلة التي تلتها والليلة التي تلت تلك الليلة والليالي
التي جاءت بعد تلك الليالي ...
الأم : ( تترك الصورة ، تصرخ به ) اسكت ، قلت لك ان تسكت ، اسكت
يمّه.
( انتقالة الى ... )
- الأم داخل الزنزانة ، بطنها منتفخة ...
الأم : ( تنظر الى بطنها المنتفخة ) اخرج ، اخرج ، اخرج .. عليك ان
تخرج حالا من بطني ، اياك ان تسألني عن ابيك ، اياك .. فكلهم
اشتركوا بصنعك ، اخرج ايتها القذارة والوساخة والجيفة من بطني
(تضرب بطنها ) اخرج ، اخرج ، اخرج ( تضرب بطنها بقوة اكثر )
الليلة سأنزفك دما مخلوطا بروائح السجّانين العفنة ، سأنزفك قيحا ايها
الميت ( تصرخ به اكثر وهي تضرب بطنها ) اخرج .. ، اخرج إبن
النجاسة ... ( تضرب بطنها بقوة ) اخرج اخرج اخرج اخرج
اخرج اخرج ...
( انتقالة الى ... )
الأم : ( تصرخ وهي تضرب بطنها ) اخرج يا وساخة يا ابن الوسخين ...
صبر : كان ابن من منهم كما تعتقدين ؟
الأم : لا أدري ...
صبر : حاولي التذكر .. رجل الأمن السمين ام الضعيف ؟ أم رجل الامن
الوسخ ؟ انا اعتقده إبن صاحب الكرش الكبيرة الذي كان يتبول كثيرا
في زنزانتنا .. من منهم ؟
الأم : لا أدري .
صبر : أم إبن رجل الأمن الاصلع ؟
الأم : لا أدري .
صبر : أم إبن رجل الأمن الشاذ ؟
الأم : لا أدري .
صبر : إبن الأسمر ... ؟
الأم : ( تصيح ) لا أدري ، لا أدري ، لا أدري يمّه ...
صبر : وأين أخي من أمي الان ؟
الأم : خرج من بطني نزيفا كما تعلم ...
صبر : أنا الاخر اريد ان اخرج نزيفا .
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : ( تحاول ان تحتضنه ) لا يمّه صبر .. تعال لحضن أمك ، تعال
ياروحها وحياتها وقلبها وكلّها ...
صبر : ( يبتعد ) تخلّي عن حضنك يا أم ، ارجوك .. ما عليك سوى ( يشير
الى الكرسي) ان تدفعي هذا ...
الأم : عد الى نومك .
صبر : ألم يقل لنا أبي عندما يتغير الوطن ، سيأتي من يضع على يمينكم القمر
والشمس على يساركم أو بالعكس ، لا يهم ،ها هو الوطن قد تغيّر ،
اين هو القمر واين هي الشمس في هذه الغرفة اللعينة ؟
الأم : عندنا الخبز الذي نغمسه بالشاي يمّه !
صبر : ( يمسك الكرسي ، يصيح ) يجب ان تدفعي الكرسي من تحت قدميّ
( يدفعه ) هكذا .
الأم : وماذا سيحدث بعدها ؟
صبر : أموت وتنتهي هذه المهزلة !
الأم : اخاف عليك من عينيَّ ان تحسدانك في لحظة ما ، فأغمضهما من
اجلك ، كيف لهاتين اليدين ان تدفعا كرسي موتك ؟
صبر : ( يصعد على الكرسي ويضع حبل المشنقة حول رقبته ) أمي .. اتوسل
اليك ان تدفعيه ، لقد تأخرت كثيرا...
الأم : إنزل يمّه صبر ، لا املك القدرة ان انظر اليك ، إنزل يمّه ...
صبر : ادفعيه .
الأم : انزل .
صبر : ( يضع الحبل حول رقبته ) ادفعيه .
الأم : ( تصرخ به ) انزل يمّه صبر .
صبر : ( متوسل ) ادفعيه ، ادفعيه ، ادفعيه ...
الأم : ( متوسلة ) انزل يمّه ، انزل من اجل أمك .
صبر : ادفعيه من اجلي ، لحظة واحدة وينتهي كل شيء ، ينتهي صبر ،
ساعديني يا أمي .
الأم : ( تصيح ) يبووووي ، ابني سيشنق نفسه ، انقذوا ابني ، يا أهل الرحم
يا ناس ، صبر سيشنق نفسه ، يبوووووي ...
زوج الأم: ( يشخر بقوة ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : لا تتعبي نفسك بالصراخ ، فاليوم حضر تجوال في المدينة .
الأم : ( تتوقف ) ستقتلني ، سيتوقف قلب أمك قبل قلبك ، انتظر قليلا ...
صبر : إدفعي .
الأم : ( برعب ) لا لا لا ...
صبر : إدفعي .
الأم : لا يمّه لا لا ...
صبر : إدفعي .
الأم : لا لا يمّه صبر ( تولول ) يمّه الولد يمّه ، ربيتك زغيرون يمّه الولد
يمّه...
صبر : ارجوك .. اغمضي روحك قليلا وادفعي الكرسي .
الأم : ( تتوقف ، تتألم ) سيقف قلبي ...
صبر : لا بأس .. سأنتظر قليلا من اجل قلبك ( ينزل من الكرسي )
الأم : أخفتني ايها الملعون .
صبر : ماذا تريدين مني ؟
الأم : تعال لحضن امك ( تحتضنه بقوة )
صبر : يجب ان اموت ( يترك حضنها )
الأم : لنمت سوية اذن .
صبر : لا .. أموت لوحدي .
الأم : ستكون هذه الغرفة الطينية قبرنا ...
صبر : انا ابحث عن حياة اخرى أفضل بكثير من حياتكم .
الأم : بعيدا عن أمك .
صبر : بل قريبا منها .
الأم : وتحرقني برحيلك .
صبر : أبحث عن راحة روحي ليس إلا .
الأم : لم أعد افهمك .
صبر : لانك أمي .
الأم : ماذا تريد من أمك ؟
صبر : ان تجعلينني سعيدا .
الأم : كيف ؟
صبر : بدفع الكرسي .
الأم : استغفر الله استغفر الله استغفر الله ...
صبر : ماذا انتظر ؟ بطني ستنفجر من الخبز المغمس بالشاي .
الأم : انتظار الفرج عبادة يمّه صبر .
صبر : حفظتها منك مذ كنت صغيرا . دعيني أذهب لأبي لكي أسأله على أقل
تقدير .
الأم : أُقسم لك بأن الخبز والشاي سيغسل رأسك من فكرة الإنتحار .
زوج الأم: ( يشخر بقوة ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : وأقسم لك بأنني مللت الحياة ، لا أملك القدرة على الحضور فيها ،
ساعدي ابنك بالاخلاص منها اذا كنت تحبينني فعلا .
الأم : أحبك فقط ؟ كيف ؟ انا اتوقف عن التنفس كلما اقتربت من حضن
أمك لانني اخاف ان لا يكفيك الهواء في هذه الغرفة الخانقة .
صبر : يا أمي ، يا حبيبة .. انا انتظرت لسنوات طويلة ، كنت اضع الامل في
جيب الصدر .. علّ هذه الغرفة تتغيّر ( يشير الى زوج الام ) لكنني لا
اسمع سوى شخير التغيير الذي دوّخ حياتنا فوق دوخاته القديمة .
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : إصبر ايضا ... !
صبر : أيضا ؟
الأم : لا نملك سواه .
صبر : لقد تأخرت كثيرا .
الأم : على قلب أمك ؟
صبر : على الانتحار .
الأم : ماذا افعل ياربي ( تحاول ايقاظ زوجها ) انهض ، انهض يا زوجي ...
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : انهض .. صبر سيشنق نفسه .
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : ( تهزه بيدها ) استيقظ لتمنعه ، قل له ان حياتنا ستتغير حتما ، انهض
لتأتي له بالشمس والقمر ، انهض انهض ( تضربه بقوة بيديها )
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : دعيه يشخر ...
الأم : لا اسمع شخيره .
صبر : ( يصعد على الكرسي ) سأشنق نفسي بنفسي ، لكنني سأتألم كثيرا .
الأم : تتألم ؟
صبر : بدونك .
الأم : انزل يمّه ... ( لزوجها ، تحركه بقوة ) سيشنق نفسه ، استيقظ ،
استيقظ ...
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
الأم : انزل يمّه صبر .
صبر : ( يضع الحبل حول رقبته ) لا فائدة .. لكنني سأتألم كثيرا يا أم صبر .
الأم : وماذا افعل كي لا تتألم ؟
صبر : ان تدفعي الكرسي بقوة بدلا عني .
الأم : أ يمكن ان افعل ذلك ؟
صبر : يمكن ، حتى لا أتألم ...
الأم : بيديَّ هاتين ؟
زوج الأم: ( يشخر ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
صبر : ( مؤكدا ) بيديك .. انتظري قليلا ( ينزل من الكرسي )
الأم : ماذا تفعل ؟
صبر : بهاتين اليدين الطاهرتين ادفعي كرسي موتي ( يقبلهما بقوة ويصعد
الكرسي ، يضع المشنقة حول رقبته ) تقدمي يا أمي من أجل ابنك
صبر الذي يتمنى دائما ان يغمس الشاي بالخبز لا الخبز بالشاي ... !
( يغني فرحا ) يمه العمر وياج خير وشناشيل يا بويه خير وشناشيل
وين أرحل ليا بيت لو جلجل الليل يا بويه لو جلجل الليل ؟
الأم : ( تتقدم نحو الكرسي ، صبر مستمرا بغنائه ، تقف قليلا ، تتأمل
صبر ، تتلمس الكرسي بيديها ) بسم الله الرحمن الرحيم ...
( ينقطع الغناء ، الأم تجمد في مكانها )
زوج الأم: ( يشخر بقوة وينتشر جسده في مساحة الغرفة كلها ... ) اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ اخ خوخوخوخوخوخو ...
( انتهت )
العراق – الناصرية
صيف – آب اللهاب 2009